الأحد، 31 يناير 2010

قصة / كم كنتُ طفلة (3)

مرت الدقائق ثقيلة كأنها جاثمة على صدري،

كلما نظرت إلى الساعة أحسست بأن عقربها قد وهن فقلل من سرعته،

ليرتاح من الزمن! حتى الزمن قد تعبَ من الزمن! أخيراً، دقّ الجرس،

وكأنها أجراس تعلن بداية انفتاح أقفال قلبي!


هرولت إلى غرفة المعلمة، ولجتُ من الباب دون استئذان،

وأنا أشفع لنفسي هذا التصرف بأن أحاول أن أقنع نفسي بأن حالتي النفسية بلغت درجة من السوء حتى أن أحداً لا ينبغي أن يؤاخذني لأي تصرف يصدر مني!

التقت أنظارنا، كانت هناك، قد وصلت للتو إلى مكتبها، تلملم أوراقها،

وشعرها منسدل على وجهها، قد انحنت على المكتب،

فما أن رأتني حتى تركت ما بيدها، ابتسمت حتى بدت أسنانها شديدة البياض،

وكأن الابتسامة تخرج من عينيها الصغيرتين،

شعرت بالراحة تسري في شراييني، افتقدتُ هذا الشعور .. كثيراً !


- تعالي جنى، لنناقش هذه القضية الفلسفية التي تطرحها فتاة صغيرة في سنّكِ وفي هذه الظروف، وعلى هذه الأرضّ!


- على هذه الأرض؟ ما يسلب لبّي هو أنني على هذه الأرض،

فلن تكون هذه حالتي إن لم أكن على هذه الأرض، ليتني لستُ هنا،

ليتني بعيدة عن فلسطين، بعيدة جداً، حتى إن كان بعدي في طبقات الأرض،

في لحد ضيق، أي شيء إلا أن أكون هنا!


- جنى! توقفي عن هذا أرجوكِ! أتعلمين عن ماذا تتحدثين؟


- أعلم! أتحدث عن الأرض التي سيأخذها منا اليهود عاجلا أم آجلا!



شعرتُ كأنها تجاهد كي لا تسمح ليدها أن تنقض علي لتصفعني!

شعرت بعروق يديها على وشك أن تخرج من مكانها لتفجر الغضب الذي كانت تحاول جاهدة أن تبلعه في جوفها، لكن عينيها كشفتها!


-جنى، اسمعيني، أترين لو كان لديكِ شيئاً تحبينه كثيراً،

لنقل إنه لعبتكِ المفضلة، لعبة غالية على قلبكِ، أهداكِ إياها شخص عزيز،

وجاء أحدهم ليسلبها منكِ ويأخذها بالقوة، وأنتِ تبكين، وتبكين، وتبكين،

لكنّه قويّ، أقوى من جسدكِ الضعيف الهزيل، هل ستعطينه اللعبة بكل بساطة،

وترفقينها بابتسامة تهدينها إياه، وتقولين له: خذها، لأرتاح!



-كلا طبعا، ولكن ما دخل هذا؟ إنني أقصد أنـ ....


-أعرف ما تقصدين جنى، دعيني أكمل،

عندما يحارب الإنسان من أجل إيمان وعقيدة، فإنه يحمي ما يملك،

تماما كما تفعلين مع لعبتكِ، حتى إن علم أنه سيخسر الجولة،

لكنه سيظل يحاول إلى آخر رمق، وإن كان سيموت بعدها!


-ولماذا يعيش أصلاً؟

ليدافع عن أرضه؟ ألا ينبغي أن تكون الأرض هي التي تحمي بني البشر؟


-يعيش لأن الله استخلفه في الأرض، وأمره بطاعته أولا، وتعمير الأرض ثانياَ،

ولكي يحقق الأول يجب أن ينشر دعوة الله في الأرض ويدافع عنها،

لذا فإننا ندافع عن عقيدة قبل أن ندافع عن أرض!

ولكي يحقق الثاني، فإنه يجب أن يستقر في أرضه،

وهذه الأرض أرضنا يا جنى! أرضنا!


صمت تام، لا أعرف بمَ أجيب، تارة أشعر بأن السحابة قد انجلت،

وتارة أشعر بأن الموضوع قد ازداد تعقيداً! شكرتها مرغمة، وهممتُ بالانصراف،

ولكنها أمسكت بيدي تستوقفني، وقالت ما لم أودّ أن أسمعه:

"ربما لم تفهمي كل ما أردت قوله، لكنكِ ستفهمين يا ابنتي، ستفهمين عندما تكبرين!"




يُتبـــع ،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق