السبت، 30 يناير 2010

قصة / كم كنتُ طفلة (2)

خرجتُ إلى المدرسة اليوم، لكنه ليس كأي يوم،

أبي ليس هُنا اليوم ليقبّلني قبلة الصباح، أو يوقظني لصلاة الفجر بصوته الرنان،

أو يوصلني إلى المدرسة ويحمل عني حقيبتي خوفاً من أن تكون ثقيلة على ظهري،

كم أفتقدكَ يا أبي! الحياة لم تعد كما كانت، فقدتُ الدنيا بفقدكَ أيها الغالي!

اعتصرتُ الألم في قلبي، فنزلت دمعة حائرة، لماذا يموتُ الإنسان؟

أو –بالأحرى- لماذا يعيش؟



ما زلتُ غرقى أفكاري حتى وجدتُ نفسي أمام باب المدرسة، دخلت بلا مشاعر،

بلا هدف، بلا روح، كل ما كان يعطيني معنى لحياتي ذهب، رحل أبي،

اعتقل أخي، تسللت الوحدة إلى قلب أمي،

تكابر ولكن الواقع المرير يفرض نفسه دون أن يستأذن، بيتنا خاوٍ إلا من .. حزن!



جلستُ على الكرسيّ، دائماً هنا مكاني، في الزاوية،

أختلي بنفسي وبعقلي وبالأفكار التي ستقودني –حتماً- في يوم ما إلى الجنون!

بعضهم جاء يعزّيني في والدي، كنت أتمزق كلما سمعتهم يقولون

"عظّم الله أجركِ"، مؤلمة هذه الكلمة، فكلما وددت أن أنسى الألم،

عاد لي أقوى من ذي قبل!



كنتُ واجمة طوال هذا الوقت، لا أجيب إلا بـ "جزاكم الله خيراً"

كلمة أحفظها من والدتي، ربما حتى لا أفقه معناها، حقيقة لم يهمني الأمر،

فقد كنت أحيا حياة أخرى، جسدي هنا مع الناس، لكنني أتنفس هواء ذكرياتي،

وأعيش في صورة الماضي.



دخلت المعلّمة، لمحتني، ابتسمت، وأدّت واجب العزاء، أومأتُ لها،

فلم يبق في جوفي كلام، بدأت الدرس، لم أفتح حتى كراستي،

لا أجد في نفسي ما يحملني على الكتابة، أو حتى على الإنصات،

لماذا يعيش الناس؟ ما الهدف إن كنا كلنا إلى زوال؟

العجب أنهم حينما يواسونني، يقولون أشياء مثل: "كلنا سنموت"

وأمثال هذه الأمور الغامضة التي لا أفهمها! إن كنا كلنا سنموت، فلماذا نعيش إذن؟

ومع ذلك كلنا نحب الحياة، كلنا نستمتع بالحياة، ونتمسك بها بقوة،

ثم نلقي بها وكأن صلاحيتها قد انتهت، ويُقال "من أجل الوطن "

أمن أجل تراب نبيع أرواحنا، ونيتم أطفالنا، ونرمل نساءنا؟ لنهاجر من هنا،

لنذهب إلى أي مكان، مثل جارنا الذي ذهب إلى الخليج ليرتاح من هذا العناء،

وها هم من أسعد ما يكون، أمان وسلام، تعليم ووظيفة، منزل وسيارة،

ماذا نريد أكثر من ذلك؟




فوجئت بصوت المعلمة يخترق عالمي البعيد الذي سافرت إليه على أجنحة الحيرة،

" جنى، أعربي هذه الجملة" لم أسمع ما قالت، لم أهتم بما قالت،

خرجت مني الكلمات تهرب من فمي، لم أرتبها، أو أنمقها،

أو حتى أفكر فيها: "معلمة، لماذا نعيش؟"



رأيتُ في عينيها الصدمة! لم تتوقع هذه المباغتة،

ربما كانت تنتظر كلمات مثل فعل وفاعل مرفوع أو منصوب، ما دخل الحياة هنا؟

تلعثمت قليلاً، تفتح فمها لتجيب فلا تخرج الكلمات، ثم جاهدت لتقول:

"جنى، تعالي بعد الحصة، سأجيبكِ إن شاء الله"



حمدتُ ربّي أنها لم تقل لي ما ألفت سماعه،

هذه الجملة التي أرقتني وزادت همومي،

وأصبحت توهمني بأنني طفلة أمصّ أصابع يدي،

أو ربما ما زلت أمشي على أربع،

"ستفهمين يا ابنتي، ستفهمين عندما تكبرين"،

لكنني لم أسمعها، كان هذا انطباع جيد، وأمل يولد في داخلي،

أن هناك من سيجيبني أخيراً عن تساؤلاتي، فينتشل بقايا روحي من بحر التيه،

فربما .. ربما .. أستطيع أن أحيا!



يُتبــع ،،

هناك تعليقان (2):

  1. امتلاء بالدموع :""""

    بانتظار التكملة ..
    سـَلِـم اليـراع ..

    ردحذف
  2. ألوان التفاؤل .. أهلاً وسهلاً بكِ يا غالية ..
    أنرتِ المدونة ..

    كوني بالقرب دائماً ..

    * على الهامش: مدونتكِ رائعة!
    احم .. هل لي بسؤال؟ من أنتِ؟ =/

    ردحذف