الأربعاء، 27 يناير 2010

أشمّ رائحـة .. حيــآة !

نَظَرَ بحدقةِ عينيه إلى عنوانِ الكتاب ..
تبدّلت ملامحهُ وانتابته رغبة جامحة بالتقيؤ ..
ثمّ هزّ رأسه علامة النفي ..
ومضى لا يجرؤ على إعادة القراءة ..
فلا تستحقّ هذه الخرقة أن يلقي لها بالاً ..
فما عنوانها إلا اسمٌ مات في قلبه .. وربما كان قد دفنه يوماً ما .. فهو لا يذكر !
اسم قديم .. كان يسمعه من أجداده .. اسم يُقال أنه " فلسطين " !

~~

ثمّ ..
كتاب ملوّن معلّق على مرأى من الجميع ..
لفت نظره فأصبح يحتضنه بعينيه ..
ويسير هائماً على وجهه .. أسيراً لما رأى .. !
صورة فاتنة ساحرة ..
اعتقلت قلبه فما استطاع أن يفك قيده ..
وحبست أنفاسه واستولت على جلّ تفكيره .. !
صورة " امرأة " عاهرة .. على غلاف تلكَ " المجلة " !!


~~

في مكان آخر ..
مكان تعدّى الحدود .. حدود المكان والزمان ..!
مكان ليس على الأرض .. بل معلّق في السمـاء ..
زمان ليس زمن الفتن .. بل زمن النّور والإيمان ..
هناك .. يكمن العالم الآخر .. !
هناك .. تكمن " فلسطين " !
عجباً .. هل هي نفسها تلك الكلمة ؟ عنوان تلك الخرقة البالية ؟!


~~


ما زال في تلك المكتبة .. وقد ضجّتْ بالنّـاس .. وكانوا قد التفّوا جميعاً أمام تلكَ المجلة ..
قد بدأ الشك يتسلل إليه .. " قد يكون هناك نوع من السّحر هنا " !
لا بل إنه سحر الشهوة .. عندما يلتهم صاحبه التهاماً .. !
فيبقيه عظاماً بالية ..
بلا روح !

~~

مشهد يشبه هذا ..
يشبهه كثيراً ..
تجمّع الناس هناك ..
الكثير منهم .. !
قيل : كلا .. ليس هذا المشهد مشابهاً لذاك !
قال : بل إنه كذلك .. إلا تسمع الناس يصرخون ؟
قيل : إنهم يصرخون غضباً !
قال : فإنهم يركضون ؟
قيل : يركضون نخوة !
قال : فإنهم يتزاحمون ؟
قيل : يتسابقون لنيل الشهادة !
قال : فأين نحن ؟
قيل : ألم تعلم بعد ؟ إننا في " فلسطين " !

وقف مدهوشاً ..
هؤلاء -بالتأكيد- ليسوا بشراً كـ " نحن " !

~~

ما زالت الأجسـاد متعلّقة بشهواتها ..
خالية إلا من لحم ودم يسري بروتين ممل ..
قلب يدقّ ليقول لصاحبه : " اطمئن .. فما زلت على قيد الحياة .. كي تمتّع جسدك أكثر " !
ومخٌ يستودع الذنوب .. حتى بدأت خلاياه تموت .. لكنّني أعجب .. كيف أن الأطباء يقولون .. " كل شيء على ما يرام " !
أكاد أشعر بأنفاسه فاسدة .. وكأنه يستنشق دخان الضيق .. فتسدّ رئتيه .. ويصاب بضيق التنفس ..
وما زال بنظر الأطباء .. " على ما يرام "!
بدأت استنتج .. بأنه مريض .. لا يعرف مكان علاجه !!

~~

وفي العالم الآخر ..
لا أجساد هُنا ..
كلّها تحت التراب ..
لكن هناك شيء ما يتحرّك ..
شيء يُشعركَ بالحياة ..
شيء ليس كـ " الموت " .. أبداً ليس كـ " هو " !
أرواح نقيّـة تجوب الأرجاء .. حتى أكاد ألمس بياضها .. وأسمع همساتها ..
وكيف لا .. وهُنـا محلّ الشهـداء .. حيث ليس للمـوت في المعاجم معنى .. إلا الحياة !!

~~

وما زال النقيضين يشربون من الماء ذاته .. ويأكلون من الطعام نفسه .. ويتنفسون ذات الهواء ..
لكنّ .. شتّــــان .. بينَ هـذا .. وذآآك !!

~~

" فلســـطين " أنتِ الحيـاة ..
وكلّ ما دونكِ .. موتٌ يلبس قناعاً مزيفاً .. لما يظنّ أنه .. " حياة " !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق